أزمة النفايات
في أي قضاء في العالم، عندما تتقدّم جهة معيّنة بشكوى جزائية أمام قاضٍ ما متخذّة صفة الادعاء الشخصي أصولاً، فتدّعي "النيابة العامة البيئية" بالوثائق والمستندات الثابتة التي تبيّن سرقات واختلاس وارتكابات فساد هائلة تبعاً للشكوى، كيف يُعقل أن يقوم قاضي التحقيق بإقصاء الجهة المدّعية بالكامل عن إجراءات المحاكمة من خلال حجب حق الدفاع (المقدّس) عنها مع الترخيص للجهة المدّعى عليها تنفيذ أعمال تحوطها الشبهات ودون أي اطلاع أو تواجد أو تمثيل أو حتى أدنى حدود الرقابة للجهة المدّعية؟؟ هل نكون في هذه الحالة أمام "قضاء" أو "قاضٍ" حلف اليمين بالحد الأدنى؟!
لهذا وبكل صدمة وأسف وبعد أن كانوا تأمّلوا ببعض القضاة خيراً ليجدوا أنفسهم مرة أخرى أمام "مسرحية فساد قضائي مستفحل" على حساب صحة وبيئة أهل طرابلس والشمال وكإجراء وحيد باقٍ للحفاظ على ملف الدعوى وحقوق المواطنين، تقدّم محامو تحالف متحدون اليوم ١٤ تشرين الثاني ٢٠٢٤ بطلب "نقل دعوى" نفايات طرابلس من أمام قاضي التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصّار، مع طلب وقف السير بالدعوى، أمام محكمة التمييز الجزائية سجّل برقم ٢٠٢٤/١٣٦، وذلك لـ "الارتياب المشروع" على خلفية تمادٍ مريب في محاباة المدّعى عليهما "مجلس الإنماء والإعمار" ورئيسه نبيل الجسر وتفويضهما، رغم كونهما مدّعى عليهما مع سجل حافل وثابت في الفساد المالي، إنجاز أعمال في مكب جبل النفايات في طرابلس الذي أبقى فسادهما عليه أساساً ودون أي اطلاع أو حتى رقابة بالحد الأدنى للجهة المدّعية أصولاً!
هذه الأعمال هدفها، كما بات معروفاً لأهل مدينة طرابلس، وضع اليد على هبة كويتية بملايين الدولارات معدّة أساساً لإنشاء مسلخ لحوم اختار المجلس ورئيسه أن يكون ملاصقاً لجبل النفايات وسمومه القاتلة، كان تحالف متحدون وشركائه تقدّموا بطلب وقف إنشاءه عن طريق القضاء.
ومن باب استنفاد أي وسيلة ممكنة مع القاضية نصّار التي كان تحالف متحدون وشركائه في طرابلس والشمال يعوّلون عليها لرفع الظلم والضرر عن حياة وصحة وبيئة أهل المدينة، كان سبق هذا الطلب مراجعة المحامين للقاضية نصّار في مكتبها رغم الظرف الحالي بتاريخ ٢٢ تشرين الأول ٢٠٢٤ ثم تقدّمهم بمذكرة خطية بتاريخ ٢٨ تشرين الأول تلاه مراجعتها مراراً وتكراراً بهذا الشأن، بموازاة مناشدات أطلقها الناشطون البيئيون في طرابلس وعلى رأسهم الدكتور عمر الحلوة في مؤتمر صحافي، فقط لمنح الجهة المدّعية بالنيابة عن أهل المدينة دوراً رقابياً ولو بالحد الأدنى كما تقتضي الأصول. كل ذلك بقي بلا أي جدوى تحول دون ترك الساحة مشرّعة لكبار الفاسدين أنفسهم الذين تسلّلوا من باب الانشغال بتوترات الحرب، هذه المرّة عبر شريك جديد في الفساد هو "مؤسسة حمود للتجارة والمقاولات" لا علاقة له بالخبرات البيئية إطلاقاً، والتي يجري التحضير للادعاء عليها أيضاً، ليكملوا تدمير صحة وبيئة الناس من دون حسيب أو رقيب.
يُذكر أنه وبعد سبع سنوات من الملاحقات القضائية بحق المدّعى عليهم، ورغم قرارات منع السفر وإشارات الحجز على أملاكهم، لم تُنفّذ هذه القرارات ولا مذكرات التوقيف الغيابية بحق الحارس القضائي على جبل النفايات أحمد قمر الدين وأنطوان بدو أزعور ورانيا وشادي أبو مصلح حيث بقيت حبراً على ورق.
كذلك فإن مقترحات الحلول الصحيحة على يد خبراء دوليين مستقلّين مشهود لهم في "مؤتمر طرابلس البيئي" ولقاءي "الطاولة المستديرة" وما رافقها من جهود كبيرة لم تعنِ للقاضية شيئاً. ولا حتى تقرير الخبير ريمون متري المكلّف من قبلها والذي أنجز تقريره مع فوج الهندسة في الجيش اللبناني عنى لها شيئاً سوى استخدامه كأداة للابتزاز بعد تسريبه للإعلام من قلم دائرتها حتى قبل إبلاغه من الجهة المدّعية!
أضف إلى أن الجهة المدّعية لم تتبلغ بتاتاً وخلافاً للقانون لا المذكرة التوضيحية المقدّمة من قبل مجلس الإنماء والإعمار ونبيل الجسر في ٣ تموز٢٠٢٤، ولا طلب الترخيص بالدخول إلى المطمر بتاريخ ١٠ أيلول ٢٠٢٤، علماً بأن مكب النفايات خاضع لـ "الحراسة القضائية". فهل نحن أمام "قضاء" أم "دكانة" غب الطلب تتاجر بحياة الناس؟ وهل هذا ما يريده أو يستحقّه أهل طرابلس من تلوّث وسموم؟!
كيف لقاضٍ، علماً بأنه كان من القلائل الذين عوّل عليهم أهل طرابلس لتحقيق العدالة، أن يتواطأ مع مدّعى عليه سجلّه حافل بالفساد بعد أن ادعى عليه بنفسه؟ أم هي عدوى "عدلية بعبدا" في استغلال الادعاء على كبار الفاسدين لابتزازهم في صفقات معيبة على حساب حقوق الناس، كما جرى بحق المودعين هناك؟؟
وفي ضوء هذه التجاوزات الخطيرة وتحت شعار "متحدون لأجل البيئة " هبّ عدد من فعاليات الفيحاء البيئية للتصدّي لكل من يرتكب هذه المجزرة البيئية والصحية بحقهم وبحق أطفالهم الممتلئة أجسادهم بسموم النفايات، عدا عن نهب خيرات المدينة وتدمير اقتصادها، حيث لبّوا الدعوة إلى لقاء بعد ظهر الإثنين في ١١ تشرين الثاني الحالي على تطبيق "زووم" بعنوان "الإدارة المتكاملة للنفايات لمدينة طرابلس: بين الحل والتنفيذ في ظل الفساد القضائي"، ضمّ إلى المشرف على خطة الحلول المقترحة الخبير البيئي والاقتصادي البروفيسور راجي درويش، عمر الحلوة، أحمد ستيته، وليد زياده، محمد شمسين، محمد العتر، فيفي كلاب، وليد خضر، رامي علّيق، ناريمان الشمعة، لودي عبد الفتاح، آمال جمّول، جورج خاطر (مع حفظ الألقاب) وآخرين. وقد قام الحاضرون بتشكيل "المجلس البيئي الاستشاري" بهدف دعم خطة التحالف للتخلص من التلوث والسموم الناتجة عن مكب النفايات والعمل على الاستفادة اقتصادياً من المكب لما فيه فائدة لمدينة طرابلس خاصةً ولبنان عامة.
الأكثر قراءة